[ملخص محاضرة الفقه الرمضاني
للدكتور كريم حلمي]
فقه سياسة النفس: أن يفهم الإنسان نفسَه، وما يَعرُض لها، وأن يدرك الغاية من هذه السياسة وأدواتها، وأن يحسن استعمالها.
قواعد سياسة النفس:
1) يُصلح الإنسانَ ما لا يُصلح غيرَه
هناك إنسان تصلحه أشياء، وإنسان آخر
تصلحه أشياء أخرى.
لذلك اختلفت إجابات النبي ﷺ على سؤال أي العمل أفضل؟، وكان الاختلاف أحياناً بحسب
حال السائل. فالأفضل بالنسبة لفلان قد يختلف عن
الأفضل بالنسبة لغيره.
2) يُصلح الإنسانَ في أحوالٍ ما لا يصلحه في غيرها
الإنسان نفسه بحسب تغير أحواله قد تتغير الوسائل التي تصلحه، ولهذا يتقلب الإنسان بين الخوف والرجاء بحسب تقلب أحواله.
قال عمر بن الخطاب: "إن لهذه القلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإذا أدبرت فألزموها بالفرائض"
فيجب عدم التعامل مع العبادات بطريقة "كل شيء أو لا شيء".
3) المسالك وسائل، والغايةُ الوصول
أساليب الوعظ والترغيب والترهيب وغيرها كلها وسائل، فانتقِ منها ما تعرف أنه سيوصلك إلى الله. وقول الرسول ﷺ: "سددوا وقاربوا" يفيد أنه ليس هناك مسلك واحد، ولكن على الإنسان أن يسايس نفسه في الوسائل التي توصل إلى الله.
الغاية في رمضان أن تخرج بأكبر قدر ممكن من العبادة الظاهرة والباطنة.
قال الثعلبي في تفسيره: "العبادة سياسة النفس على حمل المشاقّ في الطاعة"
4) عليك بفقه الاعتبار
مشكلة الخطابات العامة أنه يستحيل مخاطبة كل واحد بما يُصلحه، فعلى المستمع أن يكون عاقلاً في انتقاء ما يناسبه بصدق.
الرجوع إلى محاضرة "فقه
الاعتبار" للدكتور كريم حلمي.
5) اجتهادك من جهادك
جزء من جهاد كل إنسان هو اجتهاده في
إصلاح نفسه واختيار ما يناسب حاله، وكل الناس عليهم قدر معين من الاجتهاد.
اجتهد في معرفة نفسك وحالها والخطاب الذي يصلحها، واجتهد في اختيار الفقيه الثقة الذي تأخذ عنه الفتوى.
6) الاكتراث عبادة
اكتراثك واهتمامك بمجيء شهر رمضان، ورغبتك في أن تتعامل معه بتعامل مختلف، اكتراثك بإصلاح نفسك، اكتراثك بحال إخوانك المسلمين، كل ذلك عبادة.
"العاقل يَسُوسُ نفسه، والعاجز نفسه تسوقه"
يُروى عن النبي ﷺ: "إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا له"، فالإنسان العاقل المحب لله يكترث أن يتعرض لهذه النفحات، ومجرد هذا الاكتراث قد يوصل الإنسان إلى درجات عالية إذا تبعه عمل.
ومن الاكتراث كذلك، الفرح بالاستزادة من الطاعات ولو قليلاً، والفرح بأعياد المسلمين.
هناك عبوديات سهلة فلا تضيع الفرصة على نفسك.
7) رمضان شهر يحبنا ونحبه
{قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}
الله يتودد برمضان إلى عباده، والمغفرة فيه تحصل بأيسر العبادات، وفي غالب الحال فالإنسان بأضعف الأسباب سيخرج رابحاً من رمضان على كل حال.
يُروى عن بعض السلف قال: "كان أشياخنا إذا جاء رمضان يقولون: جاء مُطهِّر"
أحب رمضان واشتق له واستمتع به واشكر الله عليه واسأل الله أن يبلغك إياه.
8) اعزم على الرشد
كان من دعاء النبي ﷺ: "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد"
يحتاج الإنسان إلى قَدرٍ من الحزم مع نفسه، مع رفق. ولابد للإنسان أن يأخذ الخطوة ويتحرك، إن كان يريد أن يرفع رتبته عند الله.
لذلك قال النبي ﷺ للصحابي لما سأله مرافقته في الجنة: "أعني على نفسك بكثرة السجود"
ومن العزيمة على الرشد أن يدخل الإنسان رمضان وهو متهيأ النفس قدر المستطاع. أي أن لا يدخل عليه رمضان وهو غافل ومتفاجئ بدخوله.
رتب أوراقك وانظر ماذا ستفعل، وما العهود والمواثيق التي ستأخذها على نفسك بحسب حالك، والحد الأدنى الذي ينبغي عليك ألا تفرط فيه.
لا تتأخر واعزم، يقول ﷺ: "لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله"
9) رمضان شهر التَرك
يعظِّم الله شهر الصوم لأنه تَرك، في الحديث القدسي: "يدع شهوته وطعامه من أجلي"، وهذا الحد الأدنى من الترك الذي يشترك فيه الجميع. لكن لا بد من ترك خاص، وهذا باب عظيم، مثل: ترك المراء والجدل، وترك ما يقسي القلب من تضييع الأوقات على وسائل التواصل، وترك ما يستطيعه الإنسان من الترف الزائد.
يقول ﷺ: "إنك لن تدع شيئاً اتقاء الله إلا آتاك الله خيراً منه"
رمضان فيه تربية على الاخشوشان والتحرر من سلطان العادة، ووضع الإنسان حدوداً لنفسه وتذكير بزينة الآخرة.
10) تدرَّج
ابدأ بما يغلب على ظنك أنك تطيقه، ثم ازدد قليلاً قليلاً، فإن وجدت أن نفسك لا تطيق فتخفف قليلاً، وهكذا. فالدخول بحماس زائد قد يؤدي إلى نتائج سيئة.
تدرَّج في عمل الطاعات وازدد فيها، حتى تصل إلى أقصاها في العشر الأواخر، كما كان فعل النبي ﷺ.
11) جدد رمضانك كل يوم
ابدأ كل يوم بعزم جديد على ما ستفعله في ذلك اليوم. وإن ضاع منك يوم، أو ضعُفتَ فيه، فغداً يوم جديد.
كثير من الناس يجدون للتراويح هيبة أكثر من الفرائض مع أنها مستحبة، لكن لأنها جديدة والفرائض معتادة متكررة.
نوِّع في العبادات كل يوم، مثلاً: اجعل يوماً للصدقة، ويوماً لإدخال السرور، ويوماً لعملٍ مُعيّنٍ من أعمال القلوب، وهكذا.
12) روِّض نفسك
النفس كالطفل الذي عليك أن تحسن تربيته. ومن إحسان تربيته أن تستمع إليه وتفهمه وتتحدث معه، وكذلك مع النفس، وهذا متكرر في سيرة السلف.
13) لا تتطلب المثاليات
سواء في حالك أو في البيئة من حولك. مثل من يترك الصلاة أو قراءة القرآن لعدم حضور قلبه أو خشوعه، ومن يطلب شروطاً معينة في المسجد والإمام حتى يصلي التراويح. وقد يكون هذا من تلاعب النفس، فلابد للإنسان أن يكون واعياً بذلك.
ومن عبوديات الإنسان أن يستمر في العبادة حتى مع عدم حضور قلبه، وجهادُه في تحصيله قد يضاعف له أجر العبادة.
14) كن على قانون المحبوب
افعل الأحب إلى الله. في الحديث القدسي: "وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضت عليه"
بوابة الوصول الأعظم إلى الله، الاعتناء بتجويد الفرائض وتحسينها، وعدم الانشغال بالنوافل عنها. رقع بالنوافل تقصيرك في الفرائض.
15) تعوَّذ من همزات الشياطين
قال ﷺ: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"، القوة النفسية هي المقصود الأكبر في هذا الحديث. ومن أسباب قوتك النفسية كمؤمن الاستعانة بالله وعدم العجز.
هناك أنماط من التفكير يمكن أن تجعل الإنسان عاجزاً، مثل أن يشعر أنه غير مستعد لرمضان فيترك العمل ويقول سأعمل في رمضان القادم. ومثل من يقيم على ذنب معين ويجاهد نفسه فيه، فإن وقع فيه ترك كل شيء ورأى أنه لا فائدة، وهذا من أكبر مداخل الشيطان. أو من يترك الاستزادة من الطاعات بحجة توفير طاقته للعشر الأواخر.
16) التواصي بالحق والتواصي بالصبر
ومما يعين على ذلك الصحبة الصالحة.